فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لرَجُلٍ منْ قَلْبَيْن في جَوْفه} فيه خمس مسائل:
الأولى: قال مجاهد: نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه، وكان يقول: إن لي في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد.
قال: وكان من فهْر.
الواحديّ والقُشَيْريّ وغيرهما: نزلت في جميل بن معمر الفهري، وكان رجلًا حافظًا لما يسمع.
فقالت قريش: ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان.
وكان يقول: لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد.
فلما هُزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر، رآه أبو سفيان في العير وهو معلّق إحدى نَعْلَيْه في يده والأخرى في رجله؛ فقال أبو سفيان: ما حال الناس؟ قال انهزموا.
قال: فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في رجليّ؛ فعرفوا أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.
وقال السُّهَيْليّ: كان جميل بن معمر الجُمَحيّ، وهو ابن معمر ابن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جُمَح، واسم جمح: تَيْم؛ وكان يدعى ذا القلبين فنزلت فيه الآية، وفيه يقول الشاعر:
وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما ** قضى وَطَرًا منها جَميلُ بن معمر

قلت: كذا قالوا جميل بن معمر.
وقال الزمخشريّ: جميل بن أسد الفهري.
وقال ابن عباس: سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمدًا له قلبان؛ لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأوّل؛ فقالوا ذلك عنه فأكذبهم الله عز وجل.
وقيل: نزلت في عبد الله بن خَطَل.
وقال الزهريّ وابن حبّان: نزل ذلك تمثيلًا في زيد بن حارثة لما تبنّاه النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فالمعنى: كما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا يكون ولد واحد لرجلين.
قال النحاس: وهذا قول ضعيف لا يصح في اللغة؛ وهو من منقطعات الزهريّ، رواه معمر عنه.
وقيل: هو مثل ضرب للمُظاهر؛ أي كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المُظاهر أمَّه حتى تكون له أُمّان.
وقيل: كان الواحد من المنافقين يقول: لي قلب يأمرني بكذا، وقلب يأمرني بكذا؛ فالمنافق ذو قلبين؛ فالمقصود ردّ النفاق.
وقيل: لا يجتمع الكفر والإيمان بالله تعالى في قلب، كما لا يجتمع قلبان في جوف؛ فالمعنى: لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب.
ويظهر من الآية بجملتها نفي أشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت، وإعلام بحقيقة الأمر، والله أعلم.
الثانية: القلب بَضْعة صغيرة على هيئة الصَّنَوْبَرة، خلقها الله تعالى في الآدميّ وجعلها محلًا للعلم، فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار، يكتبه الله تعالى فيه بالخط الإلهيّ، ويضبطه فيه بالحفظ الرّباني، حتى يحصيه ولا ينسى منه شيئًا.
وهو بين لَمَّتَين: لَمَّة من المَلك ولَمَّةٌ من الشيطان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم.
خرّجه الترمذيّ، وقد مضى في البقرة.
وهو محل الخَطَرات والوساوس ومكان الكفر والإيمان، وموضع الإصرار والإنابة، ومجرى الانزعاج والطمأنينة.
والمعنى في الآية: أنه لا يجتمع في القلب الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والإنابة والإصرار؛ وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز، والله أعلم.
الثالثة: أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين تقدّم ذكرهم؛ أي إنما هو قلب واحد، فإمّا فيه إيمان وإمّا فيه كفر؛ لأن درجة النفاق كأنها متوسطة، فنفاها الله تعالى وبيَّن أنه قلب واحد.
وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية، متى نسي شيئًا أو وهم.
يقول على جهة الاعتذار: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
الرابعة: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهرُونَ منْهُنَّ أُمَّهَاتكُمْ} يعني قول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي.
وذلك مذكور في سورة المجادلة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الخامسة: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} أجمع أهل التفسير على أن هذا نزل في زيد بن حارثة.
وروى الأئمة أن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت: {ادعوهم لآبَآئهمْ هُوَ أَقْسَطُ عندَ الله} وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره مَسْبيَّا من الشام، سبته خيل من تهامة، فابتاعه حكيم بن حزام بن خُويلد، فوهبه لعمته خديجة فوهبته خديجة للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبنّاه، فأقام عنده مدّة، ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه، فقال لهما النبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك قبل البعث: «خَيّراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء».
فاختار الرق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حريته وقومه؛ فقال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه» وكان يطوف على حلَق قريش يشهدهم على ذلك، فرضي ذلك عمه وأبوه وانصرفا وكان أبوه لما سبي يدور الشام ويقول:
بكيتُ على زيدٍ ولم أدر ما فعل ** أحَيٌّ فيُرجَى أم أتى دونه الأجَلْ

فوالله لا أدري وإني لسائل ** أغالك بعدي السَّهلُ أم غالك الجبل

فياليت شعري! هل لك الدهرَ أَوْبَةٌ ** فحسبي من الدنيا رجوعُك لي بَجَلْ

تُذَكّرُنيه الشمس عند طلوعها ** وتَعْرض ذكراه إذا غَرْبُهَا أفَلْ

وإن هَبّت الأرياح هَيَّجْنَ ذكرَه ** فياطول ما حُزْني عليه وما وَجَلْ

سَأُعْمل نَصّ العيس في الأرض جاهدًا ** ولا أسأل التَّطواف أو تسأمُ الإبل

حياتيَ أو تأتي عليّ منيّتي ** فكل امرىء فانٍ وإن غَرّه الأملْ

فأخبر أنه بمكة؛ فجاء إليه فهلك عنده.
وروي أنه جاء إليه فخيّره النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وانصرف.
وسيأتي من ذكره وفضله وشرفه شفاءٌ عند قوله: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] إن شاء الله تعالى.
وقتل زيد بُمؤْتَةَ من أرض الشام سنة ثمانٍ من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمّره في تلك الغزاة، وقال: «إن قُتل زيد فجعفر فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة» فقتل الثلاثة في تلك الغزاة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نَعْي زيد وجعفر بكى وقال: «أخَوَاي ومؤنساي ومحدّثاي».
{ادْعُوهُمْ لآبَائهمْ هُوَ أَقْسَطُ عنْدَ اللَّه}.
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {ادعوهم لآبَآئهمْ} نزلت في زيد بن حارثة، على ما تقدّم بيانه.
وفي قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، دليل على أن التَّبَنّي كان معمولًا به في الجاهلية والإسلام، يُتوارث به ويتناصر، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله: {ادعوهم لآبَآئهمْ هُوَ أَقْسَطُ عندَ الله} أي أعدل.
فرفع الله حكم التَّبَنّي ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى أن الأوْلى والأعدل أن يُنسب الرجل إلى أبيه نَسَبًا؛ فيقال: كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلَده وظَرْفه ضمه إلى نفسه، وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه، وكان يُنْسب إليه فيقال فلان ابن فلان.
وقال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبنّي، وهو من نسخ السنّة بالقرآن؛ فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلا وَلائه، فإن لم يكن له وَلاء معروف قال له يا أخي؛ يعني في الدين، قال الله تعالى: {إنَّمَا المؤمنون إخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
الثانية: لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبنّي فإن كان على جهة الخطأ، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيمَآ أَخْطَأْتُمْ به ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}.
وكذلك لو دعوت رجلًا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس؛ قاله قتادة.
ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبنّي كالحال في المقْداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبنّي، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود؛ فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبنّاه في الجاهلية وعرف به.
فلما نزلت الآية قال المقْداد: أنا ابن عمرو؛ ومع ذلك فبقي الإطلاق عليه.
ولم يُسمع فيمن مضى من عَصَّى مُطْلق ذلك عليه وإن كان متعمدًا.
وكذلك سالم مولى أبي حذيفة، كان يدعى لأبي حذيفة.
وغير هؤلاء ممن تُبُنّي وانْتُسب لغير أبيه وشُهر بذلك وغَلب عليه.
وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة؛ فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد، فإن قاله أحد متعمّدًا عصى لقوله تعالى: {ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي فعليكم الجناح.
والله أعلم.
ولذلك قال بعده: {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحيمًا} أي {غَفُورًا} للعمد، و{رَحيمًا} برفع إثم الخطأ.
الثالثة: وقد قيل: إن قول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيمَآ أَخْطَأْتُمْ} مُجْمَل؛ أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم، وكانت فُتْيَا عطاء وكثيرٍ من العلماء.
على هذا إذا حلف رجل ألاّ يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه، فأخذ منه ما يرى أنه جيّد من دنانير فوجدها زيوفًا أنه لا شيء عليه.
وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلّم على فلان فسلّم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث؛ لأنه لم يتعمد ذلك.
وما في موضع خفض ردًّا على ما التي مع {أَخْطَأْتُمْ}.
ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ؛ والتقدير: ولكن الذي تؤاخَذون به ما تَعمّدت قلوبكم.
قال قتادة وغيره: من نسب رجلًا إلى غير أبيه، وهو يرى أنه أبوه، خطًا فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح.
وقيل: هو أن يقول له في المخاطبة: يا بنيّ؛ على غير تَبَنٍّ.
الرابعة: قوله تعالى: {ذَلكُمْ قَوْلُكُم بأَفْوَاهكُمْ} {بأَفْوَاهكُمْ} تأكيد لبطلان القول؛ أي أنه قول لا حقيقة له في الوجود، إنما هو قول لسانيّ فقط.
وهذا كما تقول: أنا أمشي إليك على قَدَم؛ فإنما تريد بذلك المبرّة.
وهذا كثير.
وقد تقدّم هذا المعنى في غير موضع.
{والله يَقُولُ الحق} {الحقّ} نعت لمصدر محذوف؛ أي يقول القول الحق.
و{يَهْدي} معناه يبين؛ فهو يتعدى بغير حرف جرّ.
الخامسة: الأدعياء جمع الّدعيّ، وهو الذي يدعى ابنًا لغير أبيه أو يدّعي غير أبيه؛ والمصدر الدّعْوة بالكسر؛ فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصُّلْب، فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مَوْلًى وأخًا في الدّين.
وذكر الطبريّ أن أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال: أنا ممن لا يُعرف أبوه، فأنا أخوكم في الدّين ومولاكم.
قال الراوي عنه: ولو علم واللَّه أن أباه حمار لانتمى إليه.
ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة: نُفَيع بن الحارث.
السادسة: روى الصحيح عن سعد بن أبي وَقّاص وأبي بكرة كلاهما قال: سَمعَتْه أذناي ووعاه قلبي محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: «من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام» وفي حديث أبي ذرّ أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر». اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه}.
فقال ابن عباس: سببُهَا أن بعضَ المنافقينَ قَال: إن محمدًا له قلبَان، وقيل غير هذا.
قال ع: ويظهَرُ منْ الآية بجُمْلَتهَا أنَّها نَفيٌ لأشْيَاءَ كانت العربُ تعتقدُها في ذلك الوقت، وإعلام بحقيقة الأمر، فمنها أن العربَ كانتْ تَقُول: إن الإنسانَ له قلبٌ يأمره، وقلب ينهاه، وكان تضادُّ الخواطر يحملُها على ذلك، وكذلك كانت العربُ تعتقد الزوجة إذا ظاهر منها بمنزلة الأم، وتراه طلاقًا، وكانت تعتقد الدَّعيَّ المُتَبَنَّى ابْنًا، فَنَفَى اللّه ما اعتقدوه من ذلك.
وقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ أَدْعيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} سببُها أمرُ زيد بن حارثة كانوا يَدْعُونَه: زيدَ بن مَحَمدٍ و{السبيل} هنا سبيلُ الشرع والإيمان. ثم أمر تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء لآبائهم، أي: إلى آبائهم للصُّلْب، فمن جُهل ذلك فيه؛ كان مولىً وأَخًا في الدين، فقال الناسُ زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة، إلى غير ذلك و{أَقْسَطُ} معناه: أعدل.
وقوله عزَّ وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} الآية: رَفَعَ الحرجَ عَمَّنْ وَهمَ وَنَسيَ وأخْطَأَ، فَجَرَى على العَادَة من نسبة زيدٍ إلى محمدٍ، وغير ذلك. مما يشبهه، وأبقى الجناح في المُتَعَمّد، والخطأُ مرفوعٌ عَنْ هذه الأمة عقابُه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «وُضعَ عَنْ أُمَّتي الخَطَأُ والنّسْيَانُ وَمَا أُكْرهُوا عَلَيْه» وقال عليه السلام: «مَا أخشى عَلَيْكُمُ الخَطَأَ وَإنَّمَا أَخْشَى العَمْدُ». قال السُّهَيْليُّ: ولَمَّا نزلت الآيةُ وامتثَلَهَا زيدُ فقال: أنا زيد بن حارثة؛ جَبَرَ اللّه وَحْشَتَهُ وشَرَّفَه بأن سَمَّاه باسْمه في القرآن فقال: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: 37] ومَنْ ذَكَرَهُ سبحَانه باسْمه في الذّكْر الحكيم، حتى صَار اسمُه قرآنًا يتلى في المحاريب، فقد نَوَّه به غَايَةَ التَّنْويه، فَكَانَ في هذا تأنيسٌ له وَعوَضٌ من الفَخْر بَأُبُوَّة سيّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم له؛ أَلاَ ترى إلى قول أُبي بن كعب حين قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللّهَ تعالى أَمَرَني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ سُورَةَ كَذَا، فبكى أُبَيٌّ وَقَالَ: أَوَ ذُكرْتُ هُنَالكَ» وكان بكاؤه من الفرح حينَ أخْبرَ أن اللّه تعالى ذَكَرَهُ؛ فكَيْفَ بمَنْ صَار اسمُه قرآنًا يتلى مخَلَّدًا لا يَبيدُ، يتلُوهُ أهْلُ الدُّنْيَا إذا قرؤوا القرآن، وأهْل الجَنَّة كذلكَ في الجنَان، ثم زَادَهُ في الآية غَايةَ الإحْسَان أنْ قال: {وَإذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْه} [الأحزاب: 37] يعني بالإيمان؛ فدلَّ على أنه عند اللّه من أهل الجنَان، وهذه فضيلةٌ أخرى هي غايةُ منتهى أمنية الإنْسَان، انتهى. اهـ.